سید احمد فاطمی

جلسه شصت و هفتم: درس خارج فقه و اصول ۲۰ بهمن ۱۳۹۵

درس فقه:

(مسألة ۹): لو غلّظ الحاكم لا يجب على الحالف قبول التّغليظ و لا يجوز للحاكم إجباره عليه و إذا امتنع لم يكن ناكلاً

لأصالة عدم وجوب قبول ذلك عليه و أصالة عدم الولاية على إجباره و أصالة عدم تحقّق النّكول بذلك مضافا إلى الإجماع على ذلك كلّه بل الأرجح للحالف ترك التّغليظ إذ لا ملازمة بين استحبابه على الحاكم و استحبابه على الحالف بوجه من الوجوه فيكون التّغليظ كأصل الحلف فكما أنّه مرجوحٌ بالنّسبة إلى الحالف و لو كان محقاً فكذا التّغليظ أيضاً

 كما أن الأرجح له ترك أصل الحلف و إن كان محقاً لما قال الباقر عليه السلام: إنّ أباه كانت عنده امرأة من الخوارج فقال له مولى له: يا بن رسول الله صلّى الله عليه و آله إنّ عندك امرأة تبرء من جدّك فقضى لأبي أنّه طلّقها فادّعت عليه صداقها فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه فقال له أمير المدينة يا عليّ إمّا أن تحلف و إمّا أن تعطيها فقال علیه السلام لي: يا بنيّ قم فأعطها أربعمأة دينار فقلت له: يا ابه جعلت فداك أ لست محقاً؟ قال علیه السلام: بلى يا بنيّ و لكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر[۱]

و لكن يستحب على الحاكم التغليظ في ما دون نصاب القطع احتياطاً في أموال الناس على المشهور مدّعياً عليه الإجماع و عن أحدهما عليهما السّلام: لا يحلّف أحد عند قبر النّبي صلّى الله عليه و آله على أقلّ ممّا يجب فيه القطع[۲] بناءً على قراءة لا يحلف بالتّشديد

بل في جميع الحقوق أيضاً نسب ذلك إلى المشهور بل ادّعي الإجماع

(مسألة ۱۰): تعتبر في الحلف المباشرة للحالف فلا يقع بالتوكيل و النّيابة و لا أثر له في فصل الخصومة لو وقع كذلك
لظواهر الأدلّة مضافاً إلى الإجماع و أصالة بقاء الخصومة.

(مسألة ۱۱): يعتبر في الحلف أن يكون في مجلس القضاء لأنّه المنساق من ظواهر الأدلّة و ادّعي عليه الاجماع

و مع العذر المقبول شرعاً على الحضور فإن أمكن زواله بحيث لم يتغيّر هيئة المجلس و لم يكن محذور في ذلك في البين يصبر الحاكم في المجلس لذلك حتى يحضر و يحلف فيه لأصالة الصّحة و عدم المانعيّة عن التّأخير بهذا المقدار مع شمول الإطلاقات له أيضاً.

و إلّا يرسل من يستحلف المنكر ثمَّ يرجع و يحلف عن أمر الحاكم في مجلس القضاء و في حضور الحاكم لسقوط حضور المدّعى عليه في مجلس القضاء للعذر و ثبوت غيره مما ذكرناه بقاعدة الميسور.

[۱] وسائل باب ۲ من ابواب الایمان

 [۲]وسائل باب ۲۹ ابواب کیفیة الحکم ح۱

 

درس اصول:

المقصد الثامن في تعارض الأدلة الشرعيّة

 

قبل الخوض في صلب الموضوع نقدّم أُموراً:

 

الأوّل: تعارض الأدلّة من المسائل الأُصولية المهمۀ

لأنّ روح البحث في أبواب الحجج، يرجع إلى البحث عن تعيين ما هو الحجّة في الفقه بعد تسليم أصل وجود الحجّة.

لان وجود الموضوع أي الحجّة بين العبد و المولى أمر محقّق معلوم لدى الفقيه، و لذلك لا يعود البحث في أبواب الحجة إلى البحث عن وجود الموضوع لأنّ وجود الحجّة أمر قطعيّ مفروغ عنه. و إنّما يرجع البحث هنا إلى البحث عن عوارض تلك الحجّة، أی تعيُّنها. فالبحث عن تعيّن الحجة و خصوصياتها بحث عن عوارض الموضوع.

فالبحث اصولیٌ حيث يبحث فيها عن ما هو الحجّة عند تعارض الأدلّة، فهل الحجّة هو التخيير بين الدليلين مطلقاً؟ أو التخيير عند التعادل، و الترجيح لذى المزيّة؟ أو شي‏ءٌ غير التّخيير و الترجيح؟ فالبحث على كلّ تقدير بحث عن عوارض الحجّة في الفقه، المسلَّم وجودها.

فتبیّن کون مسألة التعارض و كيفيّة العلاج من المسائل الأُصولية، و أمّا كونها مهمَّة فلأجل أنّه قلّما يتّفق باب لا توجد فيه أخبار متعارضة، و لذلك قام الشيخ الطوسي رحمه الله علیه بتأليف كتاب «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» لعلاج تلك الطائفة الكبيرة من الروايات، فما قام به المحقّق الخراساني رحمه الله علیه من جعله ثامن

المقاصد أولى ممّا قام به الشيخ الأنصاری رحمه الله علیه حيث جعل باب التعارض خاتمة الكتاب مشعراً بكونه ليس من العلم كمقدمة الكتاب، اللّهمّ إلّا أن يريد منها، خاتمة المسائل، لا خاتمة الكتاب، و لیعلم اختصاص البحث بتعارض الخبرین فقط.

و اما البحث فی تعارض قول اللغويِّين أو مدعيي الإجماع، له مقام آخر.

 

الثانی: التعارض لغةً و اصطلاحاً

[الف- التعارض لغةً]

التعارض لغةً من العرض و هو الإراءة، يقال: «عرضت الناقة على الحوض» و هو من الأمثلة المعروفة لوجود القلب في الكلام، و الأصل هو: عرضت الحوض على الناقة و قال تعالی (وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ)[۱] و قال تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ‏)[۲]

فما في المقاييس لابن فارس: من أنّ أصل العرض هو ضدّ الطول، فكأنّه في غير محلّه، فانّ استعمال العرض في مقابل الطول و إن كان رائجاً، لكنّه ليس أصل المعنى و إنّما اشتقّ هذا المعنى من الإرائة، لمناسبة من المناسبات، فانّ العرض في مقابل الطول معنى طارئ على المعنى الأصلي.

و أمّا تفسير العرض بالمبارزة و المعارضة فهو أيضاً تفسير في غير محلّه، لکونه من المعاني الطارئة على العرض، لأنّ كلّ مُبارزٍ يُرى شجاعتَه لخصمه.

[ب- التعارض اصطلاحاً]

و أمّا اصطلاحاً؛ فقد عرّفه القوم: بتنافي مدلولي الدّليلين على وجه التناقض و التّضاد. و هو خيرة الشيخ في الفرائد. (ص۴۳۱)

و على هذا فالمراد من التنافي هو التنافي في المدلول مع قطع النّظر عن مقام الإثبات و الدّلالة، و هذا بظاهره غير تامّ، إذ ربّما يكون بين الدّليلين تناف في المدلول و لا يكون بينهما تناف في الدلالة و الإثبات، كما في العام و الخاصّ، و الحاكم و المحكوم، و الوارد و المورود، و العناوين الثانوية و العناوين الأوّلية. فانّ التنافي بين مدلولي الدليلين فيها أمرٌ واضحٌ لا مرية فيه و لكنّه لا يُعدّ من التّعارض في شي‏ءٍ، لعدم التنافي في مقام الدلالة حيث يقدّم الخاص على العام، و الحاكم على المحكوم، و الوارد على المورود، و العنوان الثانوي على العنوان الأوّلي على وجهٍ لا يتردّد العرف الدّقيق في رفع التعارض بعد الإمعان، و لا يعدّ مثل هذه من مسائل هذا المقصد إلّا استطراداً.

و لذلك عدل المحقّق الخراساني رحمه الله علیه إلى تعريفه بنحو آخر بحيث تخرج عن تعريفه هذه الموارد التي قد عرفنا إمكان الجمع فيها من دون أن تصل النوبة إلى‏ التعارض، و قال رحمه الله علیه : «هو تنافي الدليلين أو الأدلّة حسب الدلالة و مقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد.»

و خروج هذه الموارد عن تعريفه واضح.

ثمّ إنّ المراد من تنافي الدليلين على نحو التّناقض، كون أحد الحكمين وجوديّاً و الآخر عدميّاً، كما إذا ورد في أحد الخبرين انّه يحرم الشي‏ء الفلاني و في الآخر لا يحرم، كما أنّ المراد من تنافيهما بنحو التّضاد هو كون الحكمين وجوديّين، كما إذا ورد في أحد الخبرين «يجب» و في الآخر «يحرم» فيكون التنافي بالتّضادّ. و مع ذلك يمكن إرجاع التنافي بنحو التضاد إلى التنافي بنحو التناقض، فإنّ قوله «يحرم» و إن كان بالنسبة إلى قوله «يجب» متضادّين و لكن قوله «یحرم» هو عدم الوجوب و من الواضح بمكان انّ نسبته إلى قوله «يجب» نسبة المتناقضين.

ثمّ إنّ التّنافي بين الدليلين تارةً يكون بالذات كما إذا قال: «ثمن العذرة سحت» و ورد ایضاً «لا بأس بثمن العذرة» و أُخرى بالعرض كما إذا ورد «صلّ صلاة الجمعة في يومها» و ورد ایضاً «صلّ صلاة الظهر في الجمعة» و لا تنافي بين إيجاب صلاتين في يومٍ واحدٍ بالذّات، لكن لمّا قام الإجماع على عدم وجوب أزيد من صلاة واحدة في ظهر يوم الجمعة وجد التعارض بين الحكمين.

[۱]. البقرة: ۳۱

[۲] غافر:۴۶