سید احمد فاطمی

جلسه هفتاد و ششم: درس خارج فقه و اصول ۸ اسفند ۱۳۹۵

درس فقه:

و لابدّ أوّلاً من بيان أمورٍ:

الأوّل: قد بيّنّا في الأصول أن التّعارض بين الأمارة ـ بيّنة كانت أو غيرها ـ لا يوجب سقوطها مطلقاً بل هي باقية على الحجيّة الاقتضائيّة في نفي الثّالث و إعمال المرجّحات و إنّما السّاقط هي الحجيّة الفعليّة فقط في مورد التّعارض فالفعليّة بالمعارضة ساقطة لا الواقعيّة الاقتضائيّة.

الثّاني: اصطلحوا على البيّنة تارةً بالدّاخليّة و هي بيّنة ذي اليد المتشبّثة بها و الخارجيّة أخرى و هي غير المتشبّثة بها و المشهور بين الفقهاء أنّه عند تعارض البيّنة الدّاخليّة و الخارجيّة تقدم البيّنة الخارجيّة و تلغى الدّاخليّة و ادّعوا على ذلك الإجماع و تمسّكوا بخبر منصور عن الصّادق عليه السلام: رجلٌ في يده شاة فجاء رجل فادّعاها فأقام البيّنة العدول أنّها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع و جاء الّذي في يده بالبيّنة مثلهم عدول أنّها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع فقال عليه السلام حقّها للمدّعي و لا أقبل من الّذي في يده بيّنةً لأنّ الله تعالى أمر ان يطلب البيّنة من المدّعي فإن كانت له بيّنة و إلّا فيمين الّذي هو في يده هكذا أمر الله تعالی[۱] و ما يدلّ على تقديم بينة الدّاخل محمول أو مطروح[۲].

الثّالث: التّرجيح في الأمارات المتعارضة- بيّنةً كانت أو غيرها- في الجملة من الفطريات العقلائيّة في شؤونهم العُرفيّة و الاجتماعيّة فما وَرَدَ في تَرجيح الأَخبار المُتعارضة و البَيّنات المُتعارضة كما في المَقام ليس أمراً تعبّديّاً بل من العرفيّات الدّائرة بين أهل العرف و منه يعلم صحّة التّعدّي من المرجّحات المنصوصة إلى كلّ ما يراه ثقات أهل الخبرة مرجّحاً و يعتمد عليه في الصّحيح.

الرّابع: بعد تحقّق التّرجيح في إحدى البيّنتين يعمل بها لإطلاق ما دلّ‌ على حجّية البيّنة و لا يحتاج إلى التّحليف حينئذٍ فما في بعض الأخبار من الاحتياج إليه لابدّ من حمله على النّدب أو طرحه[۳]

الخامس: الظّاهر شمول حكم تعارض البيّنتين لما إذا كان مورده عيناً أو ديناً أو حقّاً و إن كان مورد جملة من الأخبار هو الأوّل و لكنّ المعلوم أنّه من باب الغالب لا الخصوصيّة

السادس: الفرق بين التّعارض في المقام و ما ورد في الأخبار المتعارضة أنّ الثّاني بعد التّكافؤ من كلّ جهةٍ وردَ فيه التّخيير، بخلاف المقام إذ لم يحتمل أحد تخيير الحاكم بل لا بدّ من الرّجوع إلى القُرعة حينئذٍ أو التّنصيف بحسب الخصوصيّات المحفوفة بالمقام أو ممّا يفيض الله تعالى علم الفراسة لِمَن يشاء

و لكنّ الأحوط التّصالح و التّراضي مطلقاً لما عرفتَ من كثرة الاختلاف في الأدلّة.

و إن كان في يد أحدهما و قلنا بترجيح اليد الدّاخلة يكون له لكونها مرجّحة حينئذٍ على غيرها

و إلّا فيصير كما لايَد عليه و المورد يختلف باختلاف الخصوصيّات و القرائن الّتي لابدّ من إحاطة الحاكم الحاضر للخصومة بها لأنّ الحاضر يرى ما لا يراه الغائب كما هو المرتكز في الأذهان

[۱] وسائل باب ۱۲ ابواب کیفیة الحکم ح۱۴

[۲] وسائل باب ۱۲ ابواب کیفیة الحکم ح ۵و۳

[۳] وسائل باب ۱۲ ابواب کیفیة الحکم ح۲

 

درس اصول:

۳. الحكومة

هی من المصطلحات الجديدة التي لم يكن منها أثر بين المتأخرين من عصر العلّامة الحلّي رحمه الله (۶۴۸ – ۷۲۶ ه.ق) إلى عهد المحقّق البهبهاني رحمه الله (۱۱۱۸ – ۱۲۰۶ ه.ق) فضلًا عن القدماء و عرّفها الشيخ الانصاری رحمه الله بقوله: «أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضاً لحال الدليل الآخر و رافعاً للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه فيكون مبيّناً لمقدار مدلوله، مسوقاً لبيان حاله، متعرضاً عليه، نظير الدليل على أنّه لا حكم للشكّ في النافلة، أو مع كثرة الشكّ أو مع حفظ الإمام أو المأموم، أو بعد الفراغ من العمل فانّه حاكمٌ على الأدلّة المتكفّلة لأحكام الشكوك، فلو فرض انّه لم يرد من الشارع حكم المشكوك لا عموماً و لا خصوصاً لم يكن مورد للأدلّة النافية لحكم الشكّ في هذه الصور …» ثمّ إنّه رحمه الله بيّن الفرق بينه و بين التخصيص بأنّ التقديم في التخصيص بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع العمل بالخاص، و لكن الحاكم بيان بلفظه للمراد و مفسر للمراد من العام فهو تخصيصٌ في المعنى بعبارة التفسير. (فرائد الاصول ص۴۳۲)

الحكومة تتقوم عند الشيخ رحمه الله بأمرين:

  • أن يكون الحاكم متصرّفاً في موضوع الدليل المحكوم بإخراج بعض المصاديق بدعوى انّه ليس مصداقاً له.
  • أن يكون الموضوع محكوماً بحكم قبل ورود الحاكم، على نحو لو لا كونه كذلك كان تشريع الدليل الحاكم لغواً.

لكن كلا الشرطين غير لازم، أمّا الأوّل فلأنّ الحكومة لا تنحصر بالتصرّف في عقد الوضع، بل ربما يكون متصرفاً في عقد الحمل كأحكام العناوين الثانوية بالنسبة إلى الأحكام المتعلّقة على الموضوعات على نحو الإطلاق الذي يعم حالتي الضرر و الحرج لوجوب الغسل في قوله تعالی (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ‏)[۱] فقوله تعالی يعم حالتي الضرر و الحرج غير انّ أدلّتهما، حاكمان على الإطلاق الموجود في الآیۀ فيختص وجوب الغسل بغير حالۀ الضرر و الحرج.

كما أنّ التصرف في عقد الوضع لا ينحصر بالتضييق، بل ربما يتصرّف بالتوسعة، كما هو الحال في قوله: «الطواف بالبيت صلاةٌ» فهو يُدخل الطواف تحت الصلاة، فيكون محكوماً بحكمها مثل قوله تعالی (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ‏)

و قوله: «التراب أحد الطهورين» بالنسبة إلى قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» لو كان الطهور فيه ظاهراً في الطهارة المائية.

و أمّا الثاني فهو منقوض بحكومة أصالة الطهارة بالنسبة إلى أدلّة الشروط في الصلاة، فلو قال: «صلّ في ثوب طاهر» فهو ظاهر في الطهارة الواقعية، لكن بعد انضمام قوله: «كلّ شي‏ءٍ طاهر حتى تعلم أنّه قذر» يكون الموضوع أعمّ منها و من الظاهريّة، و لكن ليس على وجه لو لا أدلة الشروط لكان ورود الحاكم لغواً.

و لأجل بعض ما ذُكِر، عَدَل المحقّق الخراساني رحمه الله إلى تعريفه بقوله: «أن يكون أحدهما قد سيق ناظراً إلى بيان كميّة ما أُريد من الآخر مقدماً كان أو مؤخراً.»

ثمّ إنّه قدس سره عطف على الحكومة التوفيقَ العرفي و قال رحمه الله : «أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وُفِّقَ بينهما بالتصرّف في خصوص أحدهما، كما هو الحال في الأدلّة المتكفّلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأوّلية مع مثل الأدلة النافية للعسر و الحرج و الضرر و الإكراه و الاضطرار ممّا يتكفّل لأحكامها بعناوينها الثانوية حيث يقدّم في مثلهما الأدلة النافية و لا تُلاحظ النسبة بينهما أصلًا من الاعم او الاخص او من وجه.

و لقد أحسن بعض الأعلام رحمه الله حيث لم يخصها ببيان الكمية في ناحية عقد الوضع، بل جعلها الأعم منه و من بيانها في عقد الحمل، حيث قال: أن يكون أحدهما بمدلوله المطابقي ناظراً إلى التصرّف في الآخر أمّا في عقد وضعه إثباتاً أو نفياً، أو عقد حمله.

و بكلمةٍ قصيرة فالمقوم للحكومة، هو تبادر الرقابة و النظارة من أحد الدليلين بالنسبة إلى الآخر، على وجه تكون سبباً للتقدم، و لأجل انّ الحاكم له الرقابة و النظارة، يقدّم على المحكوم حتى في مورد يكون بين الدليلين عموم و خصوص من وجه، و لا يتوقف على وجود رجحان لأحد الدليلين في مورد الاجتماع.

۱.  مائده ۶