سید احمد فاطمی

جلسه صد و سوّم: درس خارج اصول و فقه ۱۶ اردیبهشت ۱۳۹۶

درس اصول:

[نقد]

و فيه: ما ذكره مبني على الخلط بين الدلالة التصوّرية التي لا يتوقف حصولها على إرادة المتكلم و الدلالة التصديقية التي تتوقف على إرادة المتكلم. ففي الأُولى تتوقف الدلالة الالتزامية على وجود الدلالة المطابقية، لا على حجّيتها، فلو سمع الإنسان لفظ الحاتم من طائر كالببغاء، ينتقل إلى الجود و السخاء بخلاف الثانية فانّها متوقفةٌ على ثبوت الإرادة في ناحية المعنى المطابقي، فانّ مفاد الدلالة الالتزامية فيها عبارة عن إرادة المتكلم المعنى اللازم لأجل وجود الملازمة بين الإرادتين، فإذا سقط المعنى المطابقي عن الحجّية و لم تثبت إرادة المتكلم الملزوم، فكيف تنسب إليه، إرادة المعنى اللازم؟

فبذلك تبيّن وجه ما هو المختار من عدم نهوض الخبرين و لا واحد منهما على نفي الثالث.

 

المبحث الثالث: في بيان مقتضى الأصل على القول بالسببية

الحقّ كما تدل عليه السيرة العقلائية حجّية قول الثقة من باب الطريقية، و يحتمل أن يكون حجّةً من باب السببيّة بمعنى انّ قيام الأمارة يحدث مصلحة إمّا في المؤدّى أو في سلوكها و العمل بها. و بذلك ظهرت مذاهب في السببية نشير إليها:

الأوّل: ما نسب إلى الأشاعرة، و هو انّ الموضوعات التي لم يرد فيها نصّ، ليس فيها واقع محفوظ.(الغزالی، المستصفی ج۲ ص۳۶۳)

و إنّما خُوِّل الحكم الشرعي فيه على رأي المجتهد حسب ضوء القواعد الشرعية، و على ذلك يكون المجتهد في فتواه مصيباً على كلّ تقديرٍ لا مخطئاً، لأنّ الخطأ إنّما يتصوّر فيما إذا كان هناك واقع محفوظ و المفروض خلافه، و معنى ذلك انّ قيام الأمارة كالخبر الواحد و القياس و الاستحسان و سدّ الذرائع و غيرها تحدث مصلحة في المؤدّى و يترتب عليه جعل الحكم الشرعي على وفق المؤدّى.

و السببية بهذا المعنى باطلة لاستلزامها الدور، و ذلك لأنّ الجهد و الاستنباط يتوقف على وجود الحكم الواقعي في مظانّه ليكون بذل الجهد طريقاً للوصول إليه، و المفروض انّ الحكم الواقعي من نتاج الاستنباط أو قيام الأمارة.

 

الثاني: انّ للّه تبارك و تعالى حكماً مشتركاً بين العالم و الجاهل مطلقاً و لا يختص الحكم المشترك بما ورد فيه الكتاب و السنّة غير انّه إذا قامت الأمارة على خلاف الواقع تحدث مصلحة في المؤدّى و ينقلب الواقع عمّا هو عليه إلى مؤدّى الأمارة فيكون مفادها حكماً واقعياً قائماً مقام الحكم الواقعي.

و هذا هو التصويب المنسوب إلى المعتزلة، و هو أيضاً باطلٌ، لأنّ المفروض انّ التشريع مختصٌ باللّه سبحانه دون أن يشاركه المجتهد في هذه المهمة. مضافاً إلى تضافر الأخبار على وجود الحكم المشترك بين العالم و الجاهل مطلقاً سواء أقامت الأمارة على خلافه أو لا.

 

الثالث: انّ للّه تبارك و تعالى حكماً واقعياً مشتركاً بين العالم و الجاهل محفوظاً مطلقاً سواء أقامت الأمارة عليه أو لا، و سواء كان مؤدّى الأمارة موافقاً له أم مخالفاً. لكن لمّا كان الأمر بالعمل بالأمارة فيما إذا خطاً سبباً لتفويت المصلحة أو الوقوع في المفسدة و هو أمر قبيحٌ حاول الشيخ الاعظم الأنصاري رحمه الله لدفع الإشكال المذكور بإحداث القول بالسببيّة السلوكيّة، و هي انّ في سلوك الأمارة و العمل وفقها جبراً للمصلحة الفائتة أو المفسدة الواردة، و ليس لهذه المصلحة دور سوى الجبر و التدارك من دون جعل حكم على وفقها، و السببية بهذا المعنى نسبها الشيخ رحمه الله إلى الإمامية، و قد فصّل الكلام فيها في حجّية الظن، و تبعه المحقّق النائيني رحمه الله في تقريراته.

 

الرابع: ما يظهر من الشيخ الأنصاري رحمه الله في هذا الباب و هو انّ السببية السلوكية تكون سبباً لجعل حكم ظاهريٍ (لا واقعي حتى يلزم التصويب) قال رحمه الله : إذا قلنا بأنّ العمل بالخبرين من باب السببية بأن يكون قيام الخبر على‏ وجوب شي‏ء واقعاً سبباً شرعياً لوجوبه، ظاهراً على المكلّف، يصير المتعارضان من باب السببين المتزاحمين إلى آخر ما ذكره، فعلى ما ذكره تكون ملازمة بين حجّية الأخبار من باب السببية و كون المتعارضين من باب المتزاحمين مطلقاً فيتبعه كون الأصل في الخبرين المتعارضين هو التخيير. (فرائد الاصول ص۴۳۹)

و هذا النوع من السببية أمر جديد من الشيخ رحمه الله و لذلك اشتهر بعدها القول بالحكم الظاهري، و كأنّ لنا حكمين أحدهما واقعي و الآخر ظاهري، و لكن الحقّ انّه ليس للأمارة دور سوى الإيصال إلى الواقع، فإن وافقت فيكون المؤدّى نفس الواقع، و إلّا تكون معذّرة من دون أن تستعقب جعل حكم ظاهريٍ.

[اقوال]

إذا اتضح ذلك فلنذكر حكم مقتضى القاعدة على القول بالسببية، فهناك أقوال ثلاثة:

الأوّل: دخولهما تحت المتزاحمين، كما عليه الشيخ الأعظم الانصاری رحمه الله .

الثاني: التفصيل بين صور التعارض، كما عليه المحقّق الخراساني رحمه الله .

الثالث: عدم دخولهما تحت المتزاحمين مطلقاً، و هو المختار بعض المحققین.

 

درس فقه:

الثّاني: من دفع بها ضرراً عن نفسه لما تقدّم في سابقة بلا فرقٍ و ذلك كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية و شهادة الوكيل و الوصيّ بجرح الشّهود على الموكّل و الموصي إلى غير ذلك من موارد دفع الضّرر عن نفسه.

الثالث: شهادة ذي العداوة الدّنيوية على عدوّه نصوصاً و اتفاقاً منها قول الباقر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «قال رسول الله صلّى الله عليه و آله: لم تجز شهادة الصّبي و لا خصم و لا متّهم و لا ظنين[۱] و المنساق منه إنّما هو الخصومات الدّنيوية و لو بقرينة الإجماع و عنهم عليهم السلام: لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدّين[۲]

و تقبل شهادته له إذا لم توجب العداء أو الفسق لوجود المقتضي و فقد المانع فتشملها الإطلاقات و العمومات

و أمّا موارد العداوة الدّينية فلا تمنع عن قبول الشهادة مطلقاً سواء كان له أم عليه و سواء انجرّت إلى الخصومة أم لا

كل ذلك لإطلاقات أدلة الشّهادة و عموماتها و ادّعى القطع به في الجواهر.

الرّابع: من احترف السؤال بالكفّ في مجامع النّاس و أسواقهم و أبواب دورهم و منازلهم لقول الباقر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: ردّ رسول ‌الله صلّى الله عليه و آله شهادة السّائل الذي يسأل في كفّه قال الباقر عليه السلام: لأنّه لا يؤمن على الشّهادة و ذلك لأنّه إن اعطى رضي و إن منع سخط[۳]  و يدلّ عليه الإجماع أيضاً و المراد من السّؤال في الكفّ إنّما هو من احترف ذلك لا مجرّد صرف وجوده.

ثمَّ إن البحث في المقام من جهات:

الأولى: الكلام إنّما هو في صورة تحقق العدالة و أمّا مع عدمها فلا تصحّ لعدم العدالة و لا تصل النّوبة إلى الاستثناء

الثّانية: مقتضى الأصل عدم حرمة نفس السؤال بالكفّ مع عدم انطباق أيّ عنوان من العناوين الفاسدة عليه

نعم لا ريب في كراهة ذلك بل كراهة مطلق السّؤال من غير الله تعالى كما تشهد بها النّصوص[۴] و انغرست في أذهان ذوي الإباء من النفوس

الثالثة: ترتفع المرجوحيّة عند الاضطرار بقدر رفع الضّرورة لأنّ الضّرورات تبيح المحذورات نصّاً[۵] و إجماعاً و حينئذٍ لا يمنع عن قبول شهادته كما هو معلوم

الخامس: المتبرّع بالشّهادة في حقوق النّاس الخاصّة فإنّه لا تقبل شهادته ادّعي عليه الإجماع تارةً و نسب إلى قطع الأصحاب أخرى و علل بالتّهمة و بالحرص على الشهادة ثالثة و بأنّ الشّهادة قبل الاستشهاد من أشراط‌ السّاعة و لا تقوم السّاعة إلّا على شرار خلق الله تعالى[۶]

و لا بأس بذلك في حقوق الله تعالى و الحقوق العامّةلأنّ عمدة دليلهم على المنع دعوى الإجماع و قطع الأصحاب و المتيقّن منهما هو الأوّل فيرجع فيما سواه إلى عموم قبول الشّهادة و إطلاقه يشمل حتّى لو استأذن الشّاهد في هذا المجلس أو شهد هذه الشّهادة في مجلس آخر فلا مانع من القبول حينئذٍ.

(مسألة ۱۳): النسب لا يمنع عن قبول الشّهادة و إن كان قريباً كالأب لولده و عليه و الولد لوالده و الأخ لأخيه و عليه و كذا سائر الأقرباء مطلقاً كلّ ذلك للإطلاق و الاتفاق و نصوصاً خاصّة منها صحيح الحلبي عن الصّادق عليه السلام قال: سألته عن شهادة الوالد لولده و الولد لوالده و الأخ لأخيه؟ فقال علیه السلام: تجوز و في موثق سماعة قال: سألته عن شهادة الوالد لولده و الولد لوالده و الأخ لأخيه؟ قال علیه السلام: نعم[۷] و مثلهما غيرهما من الاخبار الکثیرة.

[۱] وسائل باب۳۰ ابواب الشهادات

[۲] وسائل باب ۳۲ ابواب الشهادات

[۳] وسائل باب ۳۵ ابواب الشهادات ح۲

[۴] وسائل باب ۳۲ ابواب الصّدقة

[۵] وسائل باب ۱ ابواب القیام فی الصّلاة

[۶] کنز العمّال ج۱۸ باب اشراط الصغری ح۷۲۱

[۷] وسائل باب ۲۶ ابواب الشهادات ح ۳و۴