درس فقه:
(مسألة ۱۲): لا تجوز المقاصّة في صورة عدم علمه بالحقّ لأصالة عدم ثبوت هذا الحقّ إلّا أن يدلّ عليه دليلٌ بالخصوص و هو مفقودٌ فإذا كان له دين و احتمل أداءه يرجع إلى الحاكم و كذا مع جهل المديون لما يستفاد من مجموع أدلّة صحّة التّقاصّ أنّ موردها ما إذا ثبت بحجّة شرعيّة لا مجرّد الأصول المعذّرة فلابدّ من الرّجوع إلى الحاكم الشّرعيّ
(مسألة ۱۳): إذا كان حقّ الاقتصاص ثابتاً شرعاً تبرأ ذمّة المقتصّ منه لأنّ جعل الاقتصاص شرعاً طريق إلى براءة الذّمّة و مقتضى المرتكزات أنّ هذا نحو معاوضة قهريّة قرّرها الشّارع تسهيلاً على الأمّة و لا يفرقون في ذلك بين المثل و القيمة
سواء كان ذلك بالمثل أم القيمة و إذا تمكّن بعد ذلك من العين يأخذها و يرد ما أخذه إلى المالك لكشف ذلك أن المعاوضة كانت ما داميّةً لا دائميةً فتنفسخ المعاوضة قهراً و يدخل كل عوضٍ في ملك مالكه و توهّم: أنّ ذلك مناف للإطلاق و الأصل غيرُ صحيحٍ للشّك في أصل الموضوع فكيف يرجع إلى الإطلاق و الاستصحاب؟! فإذا احتمل أنّه ماداميّ لا وجه للرّجوع إليهما للشّبهة الموضوعيّة
(مسألة ۱۴): إذا كان المال مشتركاً بين المديون و غيره لا يجوز التّقاصّ منه إلّا برضا شريكه لعدم جواز التّصرف في مورد حقّ الغير و ماله- بالأدلّة الأربعة كما ظهر في كتاب الغصب- إلّا برضاه
فلو أخذ اثم و إن وقع التّقاصّ أمّا الإثم فللتّصرف في مورد حقّ الغير و أمّا وقوع التّقاصّ فلفرض استيلائه على مال المقتصّ منه
درس اصول:
المبحث الثالث في تقديم الأظهر على الظاهر
قد عرفت أنّ الجمع المقبول هو تقديم الأظهر على الظاهر.
ثمّ إنّ الأظهرية ربما تكون واضحة لدى الكل، و ذلك كما هو الحال في الموارد الخمسة من تقديم الخاص على العام، و المقيّد على المطلق، و الحاكم على المحكوم، و الوارد على المورود، و العناوين الثانوية على العناوين الأوّلية، و ربما تكون الأظهرية خفيّة و مورداً للنقاش و المناقشۀ.
و ذلك كالموارد الستة التالية:
۱. إذا دار الأمر بين تخصيص العام و تقييد المطلق.
۲. إذا دار الأمر بين التصرّف في الإطلاق البدلي أو الشمولي.
۳. إذا دار الأمر بين التخصيص و النسخ.
۴. إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقّن دون الآخر.
۵. إذا كان التخصيص في أحد الدليلين مستهجناً.
۶. إذا دار الأمر بين التقييد و حمل الأمر على الاستحباب.
فالبحث في هذه الموارد صغروي، أي لتمييز الأظهر عن الظاهر، و إلّا فالكبرى أمرٌ مسلّم و هو لزوم تقديم الأظهر على الظاهر، فإليك الكلام فيها واحداً تلو الآخر:
أ- إذا دار الأمر بين تخصيص العام و تقييد المطلق
إذا قال المولى: أكرم العلماء، ثمّ قال: لا تكرم الفاسق، فدار أمر «العالم الفاسق» بين دخوله تحت الحكم الأوّل أو الثاني، فعلى تقديم العام على المطلق يلزم التقييد في جانب الثاني، فيكون المراد «لا تكرم الفاسق غير العالم» و على العكس يلزم التخصيص في العموم، فهل يقدّم تقييد المطلق على تخصيص العام أو لا؟
[مختار شیخ]
فقد اختار الشيخ الأعظم رحمه الله تقديم العام على المطلق و لزوم التصرّف في الثاني دون الأوّل، و قال ما هذا توضيحه ببيانين:
الأوّل: انّ المختار في باب المطلق انّه موضوع للماهية المهملة، لا الماهية المنتشرة، فلو قدّمنا العام على المطلق لا يلزم التصرّف في جانب المطلق، لأنّ الماهية المهملة تتحقّق فی فردٍ ما، و هو الفاسق الجاهل، و هذا بخلاف ما لو قدمنا المطلق على العام، فالعام بما انّه يدل على الانتشار فإخراج صنف منه و هو العالم الفاسق يستلزم التصرّف في جانب العام و يجعله مجازاً.
و فيه: انّ التصرف في أيّ واحدٍ من العام و الخاص و المطلق و المقید لا يستلزم المجازيّة، أمّا المطلق فلما بيّن من أنّه موضوع للماهية المهملة، فتقييده لا يخرجه عن معناه. و أمّا العام فلما مرّ في مبحث العام و الخاص من أنّ العام يستعمل بالإرادة الاستعمالية في معناه العام. و التخصيص إنّما يوجب التضييق في الإرادة الجدّية.
و الحاصل انّ كلاً من العام و المطلق مستعمل في معناه اللغوي، و إنّما يشار التخصيصُ التقييد بدليل آخر لا انّ العام أو المطلق مستعملان من أوّل الأمر في المخصَّص و المقيَّد، و على ذلك فلا فرق بين تقديم العام على المطلق، أو بالعكس في عدم استلزام أي واحدٍ منهما، المجازيّة.
الثاني: انّ دلالة العام على الشيوع و الانتشار تامة لقوامها باللفظ، و المخصِّص مانع عنها، فعلى ذلك فالمقتضي تام و الشكّ في التخصيص شكّ في المانع و الأصل عدمه، و هذا بخلاف المطلق فانّ عدم البيان جزء لتحقّق المطلق، فإذا شكّ في كون العام بياناً للمطلق فهو شكّ في وجود المقتضي و انّه هل هنا مطلق أو لا؟
فتكون النتيجة انّ المقتضي في جانب العام محرزٌ و إنّما الشكّ في جانب المانع، و أمّا المطلق فالشكّ فيه في وجود المقتضي قبل أن يصل الشك إلى وجود المانع فيكون تقييد المطلق مقدّماً على تخصيص العام، فيحفظ العام و يُقيَّد المطلق.